يُصيب مرض الباركنسون الجهاز العصبي المركزي في الجسم، ويتسبب في تدمير خلايا الدماغ التي تنظم المهارات الحركية الدقيقة. يقول البروفيسور مراد أكسو، أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب في المستشفى الجامعي أجيبادم بتركيا، “إن فقدان خلايا الدماغ يتجلى في أعراض متفاوتة. وأكثر هذه الأعراض شيوعا هي صعوبة التنقل، بطء في الحركة وهزات لا إرادية على مستوى الأطراف، وانقطاع التنسيق العضلي ثم تصلب العضلات.” ويواصل البروفسور قائلا: “إن تأثير مرض الباركنسون لا يقتصر على الحركة فقط، بل يسبب اضطرابات على مستوى الجهاز العصبي المركزي أيضا، فتتطوّر الأعراض إلى الإغماء والإحساس بالدوخة وسلس البول. من جهة أخرى، يعاني بعض المرضى من تغيّرات نفسية مثل اضطرابات المزاج أو الإكتئاب.”
صنف العلماء بعض الجينات التي تتسبب في مرض الباركنسون، وتوصلوا إلى تثبيت أن الإنتقال الجيني يكون أكثر شيوعًا بشكل خاص لدى المرضى الصغار. ومع ذلك، فإن حالات مرض الباركنسون الناتجة عن خلل جيني لا تشكل سوى 10٪ من إجمالي حالات مرض الباركنسون. لا توجد عوامل جغرافية أو جنسية ترتبط مباشرة بظهور مرض الباركنسون، لكن معدل الإصابة يزداد مع التقدم في العمر. يقول البروفيسور مراد أكسو: “هذا المرض يمكن أن يتطور في لدى جميع الفئات العمرية، والإجتماعية والإقتصادية. ومع ذلك، فإنه أكثر شيوعا بين الرجال مقارنة بالنساء.”
إنّ لمرض الباركنسون آثار كبيرة على نمط الحياة اليومية. أهمّها بطء الحركة، وضعف الإيماءات لعدم القدرة على التحكم في عضلات الوجه، وصعوبة الوقوف، والكتابة بحروف صغيرة جدّا، وصعوبة الإمساك بالقلم، وانخفاض مستوى الصوت، والبطء في الكلام… كلها أعراض تظهر على مرضى الباركنسون وتؤسر سلبا على حياتهم اليومية. ثم تبدأ الهزات والحركات اللاإرادية في الأطراف، وهي العارض الذي يشتكي منه المرضى أكثر.
نعلم أن تطوّر مرض الباركنسون يصاحبه تدمير متواصل لخلايا الدماغ، لذلك يهدف الأطبّاء أولا إلى إيقاف تقدّم المرض. للأسف لم يتم تطوير علاج فعّال ضد مرض الباركنسون، كل كرق العلاج المتوفرة حاليا تهدف للتخفيف من عوارض المرض. يقول البروفيسور أكسو إن العلاج التقليدي لمرضى الباركنسون يعتمد على عقاقير أو مضخات صغيرة أو هلام معوي، “يشعر المريض بتحسن مع بداية العلاج، إذ تخفّ الأعراض لكن تدمير الخلايا يظل مستمراً. بعد فترة من الزمن، تصبح تأثيرات الدواء غير كافية، فيضطر الأطباء إلى رفع جرعات الأدوية، وهذا ما يُسبب في بعض الحالات ظهور آثار جانبية ناتجة عن أضرار الأدوية. في هذه المرحلة، تأخذ الجراحة كل الأهمية كحلّ أنسب للمرضى. وتتمثل هذه العمليات في جراحة أنسجة الدماغ أو في التحفيز العميق للدماغ. في السنوات الأخيرة، أصبح الأطباء يُفضلون تجنب جراحة الأنسجة ويقومون بدلها بجراحة التحفيز العميق للدماغ، المعروفة أيضًا بتقنية زرع جهاز تنظيم كهربة الدماغ.
تُحدّثنا الدكتورة جولشاه أوزتورك، أخصّائية جراحة الدماغ والأعصاب في المستشفى الجامعي أجيبادم بتركيا، عن الجهاز المعروف باسم “منظم كهربة الدماغ” قائلة:
“يعمل جهاز تنظيم كهربة الدماغ على تحفيز النوى داخل أعماق الدماغ من أجل تنظيم النشاط الكهربائي الذي يعطله مرض الباركنسون. تتكون أجهزة تنظيم كهربة الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسية: قطبان ووحدة تزويد الطاقة بحجم علبة الثقاب وسلك التمديد الذي يربط الجزءين الرئيسيين. يتم وضع الأقطاب الكهربائية داخل الدماغ، في حين يتم تثبيت البطارية تحت جلد الصدر”
يُعدّ خيار استعمال منظم كهربة الدماغ الحلّ الوحيد المتبقّي أمام المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج بالدواء،أو يتعرضون لآثاره الجانبية، غير أن الجهاز لا يُناسب جميع هؤلاء المرضى. يقوم الأطبّاء بتقييم المرضى المرشحين عصبيا ويجرون عليهم عدّة اختبارات طبية، إذا كانت الوظائف المعرفية والحالة الصحية العامة والحالة النفسية للمريض مناسبة، فستتم برمجة عملية زرع منظم كهربة الدماغ عن طريق خطّة دقيقة تستند إلى صور التصوير بالرنين المغناطيسي.
تشاركنا الدكتورة أوزتورك معلومات مفصّلة حول العملية: “يتم وضع إطار على رأس المريض مع استخدام تخدير موضعي، ثم نقوم بتحديد إحداثيات الهدف على صور التصوير المقطعي للدماغ وصور التصوير بالرنين المغناطيسي التي تم الحصول عليها مباشرة قبل بدء العملية. دائما تحت التخدير الموضعي للحفاظ على المريض مستيقظا، يتم وضع الأقطاب الكهربائية وفقا للإحداثيات المحسوبة سابقا، ثم نقوم بتجريبها عن طريق إرسال موجات كهربائية صغيرة نتابع تأثيراتها سريريا على المريض من خلال التحدث إليه أثناء العملية. نضع إلكترودين دائمين في المخ حيث يتم ملاحظة التأثير بشكل أفضل. ثم نقوم بإزالة الإطار الذي يثبت رأس المريض ونوصل الأقطاب الكهربائية الموضوعة في الدماغ بالبطارية الموجودة تحت الجلد على عظمة الصدر بسلك بعد تخدير المريض تماما. تستغرق العملية بأكملها بين ثلات وأربع ساعات.”
يظل المريض في العناية المركزة ليوم واحد بعد العملية، وفي غرفة عادية لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام، والغرض من ذلك هو تعديل البطارية. بشكل عام، يتم تشغيل البطارية في اليوم الثاني بعد الجراحة للتأكد من أن مستويات الدواء والتيار مناسبة للمريض. خلال فترة المتابعة، يقوم طبيب الأعصاب بضبط البطارية بجهاز تحكم عن بعد. إذا تلقى المريض بطارية قابلة لإعادة الشحن، فمن الضروري برمجة مواعيد إعادة الشحن. البطاريات الجديدة لم تعد تتطلب إعادة شحنها.” وتنصح الدكتورة أوزتورك المرضى الذين يستخدمون أجهزة تنظيم كهربة الدماغ بتجنب الرياضات العنيفة مثل الملاكمة وفنون القتال، فضلاً عن ضرورة تجنب الخضوع للتصوير بالرنين المغناطيسي دون استشارة الطبيب أولاً.