أحدث علاجات أورام البنكرياس
مقابلة مع البروفيسور غورالب جيهان
كل يوم، يتم تشخيص ما يناهز 1200 شخصا في العالم بسرطان البنكرياس. هذا يعني أن من بين 18 مليون حالات السرطان التي تم تسجيلها على مستوى العالم خلال 2018، ما يقرب من 450.000 مريضا يعانون من أورام خبيثة في واحدة من أهم غدد الجسم: البنكرياس.
إلى جانب وظائف أخرى، للبنكرياس دوران مهمان في الجسم، هذه الغدة تفرز الأنسولين للحفاظ على مستوى أمثل للسكر في الدم، وتوفر العديد من الإنزيمات اللازمة لعملية الهضم. البنكرياس عرضة للإصابة بالأورام، ولسوء الحظ، لا توجد فحوصات تساعد على تشخيصها في مرحلة مبكرة. يذكر الأطباء عدة عوامل قد ترفع من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس منها التدخين والسمنة والتهاب البنكرياس المزمن والقابلية الجينية. لفت سرطان البنكرياس انتباه الناس بعد تشخيص مرضى مشهورين مثل ستيف جوبز أو باتريك سويزي به.
على الرغم من خطورة سرطان البنكرياس، جاء الطب بأخبار تبعث على التفاؤل، فبفضل تقنيات الجراحة الحديثة، يتمكن الجراحون من إنقاذ حياة المرضى وإطالة مدّة الحياة المتوقعة في حالات كانت تُعدّ ميؤوسا منها 10 إلى 15 سنة قبل الآن. أجرينا حوارا مع أحد أفضل الخبراء في العالم الذين نجحوا في معالجة مثل هذه الحالات المستصعبة. أخبرنا البروفيسور غورالب جيهان، من فريق مستشفى أجيبادم مسلك بإسطنبول، أن بروتوكول العلاج الحديث يتضمن علاجًا كيميائيًا جديدًا يقلل من الأورام والعمليات الجراحية من خلال أساليب وتقنيات حديثة لا ترافقها آثار جانبية حادّة. فيما يلي صورة شاملة حول سرطان البنكرياس وأنواع العلاج المتاحة حاليا للمرضى.
أورام البنكرياس الأكثر شيوعا
من خلال تجربتك، ما هي أورام البنكرياس الأكثر شيوعا؟
من بين أورام البنكرياس الأكثر شيوعًا، الورم الأكثر فتكا بالمرضى وهو سرطان البنكرياس. كما يجدر ذكر ورم البنكرياس الخبيث الذي يصيب الغدد القنوية، وهو شكل حاد من سرطان البنكرياس والأكثر تشخيصا بين المرضى. كما نقوم بتشخيص أورام البنكرياس الكيسية بشكل مكثف، خاصة الأورام الحليمية الخبيثة بفضل تطور تقنيات التصوير. يمكننا تشخيص هذه الأنواع من الأورام بسهولة أكثر مما كان عليه الأمر قبل 20 عامًا باستخدام تقنيات التصوير الحديثة. لهذا السبب، عندما نتحدّث عن تزايد في عدد حالات الإصابة بسرطان البنكرياس، لا يجب استثناء الأسباب الراجعة لضعف التشخيص سابقا.
هذه الأورام ليست سهلة العلاج على الإطلاق، إذ ينبغي التمييز بين نوعين رئيسيين: الأورام التي تؤثر على القناة البنكرياسية الرئيسية، وتلك التي تؤثر على القنوات الأصغر. ظهور أورام على مستوى القناة الرئيسية يرفع من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس أكثر من الأورام الموجودة في القنوات الصغيرة. في حال تشخيص ورم في القناة الرئيسية، يُطبق الأطباء العلاج الملقن لمرضى السرطان، يعني إجراء استئصال كامل للورم. معظم الأورام المتواجدة في القنوات الصغيرة حميدة، لذلك لا يزال هناك جدال حول علاجها: المراقبة المستمرّة أو الجراحة. إلى جانب هذه الأنواع من الأورام، نذكر أيضًا أورام الغدد الصماء العصبية النشطة وغير النشطة، بالإضافة إلى التهاب البنكرياس المزمن.
هل هناك أي صلة بين مرض السكري والأمراض الشائعة واضطرابات البنكرياس؟
هناك ورم يسمى الورم الأنسوليني، وهو ورم يظهر في البنكرياس وينشأ من خلايا بيتا، إنه يتسبب في إنتاج الأنسولين بكميات غير طبيعية. وإجابة عن السؤال، في بعض الحالات، يُعتبر مرض السكر علامة على سرطان البنكرياس: في غالب الحالات، يعاني المرضى من ارتفاع السكر الطبيعي في الدم باستمرار وفجأة يصابون بمرض السكري. إذا قمنا بعلاج هؤلاء المرضى وإزالة الورم الخبيث، فإن مرض السكري يختفي أيضًا. لذلك قد يكون مرض السكري الذي تم تشخيصه فجأة أحد أعراض سرطان البنكرياس.
أعراض سرطان البنكرياس
ما هي أعراض أورام البنكرياس التي تستدعي مراجعة الطبيب؟
نواجه كثيرا حالات كهذه: يقضي الشخص يوم عطلته كالمعتاد، وفي اليوم التالي يلاحظ أن جلده أصبح مصفرًا. عندما يراجع الطبيب، يتمّ تشخيص إصابته بسرطان البنكرياس، ويتمّ إعلامه بمتوسط العمر المتوقع الذي لا يتعدّى عادة عاماً واحداً. لذلك يعتبر الطب سرطان البنكرياس من أخبث أنواع السرطان، إذ لا تظهر أية عوارض قبل المراحل المتقدمة للمرض، وهو موقف نواجهه في حوالي 50 بالمائة من الحالات. بينما يصاب نصف المرضى الثاني باليرقان (أي إصفرار البشرة) في وقت مبكر، وقد يعانون من الألم أو يفقدون شهيتهم ويقل وزنهم. سيحس المرضى بغثيان غير مبرر أو انتفاخ على مستوى البطن. أمّا إذا كان أوّل الأعراض هو الألم، فإن التشخيص ليس جيدًا.
كيف تصف هذا الألم؟
الألم قوي جداً ويشع في الظهر. يحسّ المرضى الذين يعانون من التهاب البنكرياس المزمن من نفس الألم الذي يشكوا منه مرضى سرطان البنكرياس.
تشخيص أورام البنكرياس
ما هي أحدث التقنيات التي تساعد على التشخيص المبكر لأورام البنكرياس؟
فيما يتعلق بسرطان البنكرياس، يكاد يكون من المستحيل اكتشافه مبكرًا. لتشخيص أنواع أخرى من السرطانات مثل سرطان القولون و سرطان المعدة، نستعمل التنظير الذي يُمكّننا من فحص القولون، والمعدة، والإثني عشر، لكن ليس البنكرياس للأسف. يمكن بمحض الصدفة الكشف عن تورمات على مستوى البنكرياس أثناء فحص بالموجات فوق الصوتية للبطن، يتمّ تأكيده بفضل فحوصات إضافية. هناك تقنية تُمكّن الأطباء من فحص الأعضاء الداخلية في القفص الصدري والبطن وتُدعى تخطيط الصدى بالتنظير الداخلي. لكن هذه التقنية صعبة تستدعى تجربة
وخبرة عالية لممارستها.
لذلك تظل الطريقة الوحيدة للكشف المبكر عن أورام البنكرياس شبيهة بتقنية تشخيص أورام الكبد، أي القيام بفحص بالموجات فوق الصوتية من طرف طبيب ذو خبرة وتجربة تُمكّنه من التعرف على رؤية الاختلافات على مستوى الأنسجة. نذكر أيضاً مستوى مستضد الكربوهيدرات 19-9، وهو مستضد مرتبط بأنواع مختلفة من الأورام. قد ترتفع قيمته لدى المريض المصاب بسرطان البنكرياس. بعد استئصال الورم، تنخفض قيمة مستضد الكربوهيدرات. لذلك يشمل بروتوكول المتابعة الطبية بعد العملية تقييم هذا المؤشر، إذ قد يدلّ ارتفاعه على ظهور الورم من جديد.
عمليات سرطان البنكرياس
هل يساعد استخدام التكنولوجيا الحديثة على رفع نسب نجاح عمليات سرطان البنكرياس؟
أنصح المرضى بالتوجه إلى مركز متخصص في جراحة البنكرياس، حيث تعمل فرق متعددة التخصصات على تلقين العلاج المناسب لكل مريض على حدى. وجود جراح متمرس في الفريق أمر مهم للغاية، إلى جانبه ينبغي وجود أخصائي في جراحة الجهاز الهضمي وأخصائي التصوير التدخلي. الثلاثة يشكلون فريقًا متكاملا سيتدخل بنجاح لعلاج التهاب البنكرياس المزمن وسرطانات البنكرياس وأورام الكبد المتقدمة. في بعض حالات سرطان البنكرياس، يمكن استخدام الجراحة الآلية لاستئصال الأورام. ولهذه التقنية فوائد متعدد منها قلّة الآثار الجانبية، وتعافي أسرع للمريض وقلة التندب.
العلاجات الحديثة التي تطيل حياة مرضى سرطان البنكرياس
ما هو أحدث بروتوكول لعلاج سرطان البنكرياس وما هي مراحله؟
هذا موضوع يشغل الناس كثيرا لأن التقنيات تتغير باستمرار ويحقق الطب تقدما يوما بعد يوم في مجال علاج سرطان البنكرياس. في 20% من الحالات، يتواجد السرطان على رأس أو سطح أو ذيل البنكرياس، ولا يكون خبيثا أو متسللا إلى الأوعية. نقوم بجراحة لاستئصال الورم ثم نطبق العلاج الكيميائي، وفي معظم الحالات نحصل على نتائج جيدّة لدى هذه الفئة من المرضى. ثم هناك فئة أخرى من المرضى تمثل 20 إلى 25% تشكو من سرطان متطوّر؛ أي أن هناك تسلل للسرطان للأوعية الدموية أو إلى الأوردة أو حول الشرايين أو في الجذع البطني. قبل بضع سنوات، كانت هذه الفئة الثانية مُدمجة مع ثالث فئة، أي المرضى المصابيين بسرطان البنكرياس مع الانبثاث. قبل 15 عامًا، كنا نعالج هاتين الفئتين بنفس الطريقة، عبر العلاج الكيميائي الملطف أو مسكن الألم. حاليا، تتلقى الفئة الثانية علاجًا كيميائيًا جديدًا مُكون من فولفيرينوكس أو جيمسيتابين أبراكسان، وهما مادتان أثبتت فعاليتهما. بعد هذا العلاج، يصبح السرطان قابلاً للاصتئصال في أكثر من 50% من الحالات، الذين لم يكونوا مرشحين للجراحة من قبل. بفضل هذه العلاجات الحديثة، يمكن أن تتقلّص أحجام بعض الأورام، فيصبح من الممكن إجراء الجراحة.
كيف نتعامل مع الحالات التي لا تستجيب للعلاج الكيميائي؟
إن المرضى الذين تلقوا علاجًا كيميائيًا مساعدًا ولم يتفاعلوا معه، يجب أن يقوموا بتحاليل مُعمّقة، مثل تحليل خزعات من أنسجة الورم. إذ إن آليات التصوير المقطعي أو الفحص بالأشعة لا تكفي لتقييم مدى استجابة المريض للعلاج المساعد، فقد يرى الطبيب أن حجم الورم لم يتغير، لكنه حاليا، وبفضل العلاج ليس سوى غشاء فارغ يمكن استئصاله بالجراحة.
بالنظر إلى هذه المعطيات، هل أصبح من الممكن أن نقول أن سرطان البنكرياس أقل فتكا من السابق؟
أود أن أقول نعم، الأكيد هو أن مرضى سرطان البنكرياس يستحقون أن نبذل كل جهودنا ونقوم بكل المحاولات لإنقاذهم. خاصة الفئة الثانية من المرضى الموصوفة أعلاه. الطب في تطور مستمر، يجب أن نظل متفائلين.